الفصاحة في اللغة العربية.. بين التعريب وإنتاج العلوم
ليست الفصاحة بأن تستعمل البدائل العربية لكل جديد أجنبي.
البعض يستعمل مثلًا كلمة “سراويل” بدلًا من “بنطلون”، لأنه يظنّ الأولى عربية والثانية أجنبية، دون حتى أن يهتمّ بمعرفة معنى اللفظ العربي، وهل هو مناسب للاستعمال في هذا الموضع أم لا.
كلمة “سراويل” أصلًا فارسية، وتعني الرداء الواسع الذي يلبسه الرجل ليغطّي من السرّة إلى الرّكبتين. وهي كلمة مُفرَدة، جمعها “سراويلات”.
هذا الأمر نجده جليًّا في سعي البعض إلى تعريب العلوم، ووضع مرادف عربي لكل مصطلح علمي أجنبي، بهدف إعلاء راية اللغة العربية وسط اللغات، وإثبات أنها قادرة على التعبير عن كل العلوم، على الرغم من أن اللغة العربية، منذ كانت، تقبل دخول ألفاظ أجنبية إليها، وقد تحوّر نطقها ليناسب اللسان العربي. القرآن الكريم نفسه فيه ألفاظ دخلت إلى العربية من الفارسية والرومية والمصرية القديمة وغيرها.
والأصل في هذا الأمر ليس أن تترجم ما يصل إليه الأجنبي من علوم، بل أن تُنتِج أنت أيُّها العربي العلوم وتضع مصطلحاتها بنفسك، لتنتشر في العالَم ويستعملها الأجانب. ولا يرفع قيمةَ العربيةِ في شيء أن تُرهِق نفسك في البحث عن مرادفات للمصطلحات الأجنبية، قد تقترب أو تبتعد عن المعنى المقصود.
في السبعينيات -حسبما أذكر- وضع المجمع العلمي (مجمع اللغة العربية) في سوريا لفظ “المِرْنَاة” (وهي كلمة لا يكاد يعرفها أحد أو يسمع بها) تعريبًا لكلمة “التليفزيون”، لأننا نرنو إليه عندما يعمل (!).
كذلك وُضع لفظ “الهاتف” للتليفون، رغم أنه في العربية ليس مختصًّا بالتليفون وحده، مع انتشاره الشديد، ولفظ “المِسَرَّة” الذي لم يحظَ بأيّ انتشار. وقد أدّى هذا إلى أزمة “تعريبية” كبيرة بعد ظهور أنواع متعددة من التليفونات، فأخذ العرب يضيفون الصفات إلى “الهاتف”، فوجدنا “الهاتف الشخصي” و”الهاتف المحمول”، ناهيك بانتشار المصطلحات الأجنبية مثل “الموبايل” و”السيليولار” (مستعمَل أكثر في الشام).
هذا المستوى من الخلط قد يكون متحمَّلًا لأننا نتعرّض له في حياتنا اليومية، ومع الوقت تستقرّ كل بقعة جغرافية على أحد المصطلَحات. لكن المشكلة الكبرى تبقى في مسألة تعريب العلوم، إذ نجد القوم في الجامعات السورية مثلًا يعرّبون الطب والهندسة والفيزياء، إلخ، فيتخرّج الطبيب والمهندس لا يعرفان إلا البدائل العربية للاصطلاحات العلمية، فلا يتمكّنان من مواكبة وفهم تطوُّر العلوم في العاَلم، ويُفاجَآن بفجوة ضخمة بينهما وبين مَن سِوَاهما.
…
الخلاصة أننا إذا أردنا نشر اللغة العربية وإعلاء رايتها من خلال العلوم، فما علينا إلا إنتاج العلوم.
وإذا رضينا باتّباع الأجانب في العلوم، فليس أمامنا إلا اتّباعهم في اصطلاحاتهم العلمية.
أما أن نترك العالَم يُبحِر في العلوم ويضع لها الشروح والمصطلحات، ونُعرِض وننأى بجانبنا ونُصِرّ على استعمال ألفاظ عربية، فما هذا إلا تعلُّق بأوراق شجرةٍ جذرُها هشّ وجذعها أجوف، ولا نتيجة لهذا إلا مزيد من الاغتراب عن العالَم، الاغتراب الشخصي، والاغتراب اللغوي.
أكرّر هنا أن اللغة العربية، تقبل دخول ألفاظ أجنبية إليها، وقد تحوّر نطقها ليناسب اللسان العربي، ولا يحفظ اللغة العربية إلا قواعدها القويَّة الراسخة.
اقرأ أيضًا:
اكتب صح يطلق مصححا أوتوماتيكيا للغة العربية
أهم 5 كتب لمعرفة الأخطاء اللغوية الشائعة (متاحة للتحميل)
أفضل كتاب لتعليم الإملاء (متاح للتحميل)
ألف الوصل وهمزة القطع.. (6) إنفلونزا أم أنفلونزا؟
كيف ننمي اللغة العربية لدى أطفالنا؟
ما الـ Thesaurus؟ وهل توجد في اللغة العربية؟
استقالة القاضي السحيمي.. لماذا كل هذه الضجة؟
بخطوات بسيطة.. كيف تحوّل العامية إلى فصحى؟